عجلة الإبداع من العجلات المهم استمرار دورانها في الحياة، على مستوى الفرد والمجتمع وعلى مستوى الجنس البشري بأكمله، فكل ما نراه اليوم من تطور وازدهار هو ثمرة إبداع الإنسان في أزمنة سابقة وعصور فائته، الإبداع هو ما ينهض بالمجتمعات وما يخرجها من دائرة التخلف عن ركب الحضارة، هو موضوعٌ كبير ومتشعب، لكن ما يهمنا اليوم في هذه المقالة هو موضوع الإبداع في إنتاج المحتوى المرئي (الفيديوهات) وبالتحديد عبر الشبكة التي أتت بالفكرة الإبداعية قبل أكثر من عشر سنوات وسمحت لأي شخص بأن يوصل صوته ويُري العالم إنتاجه، بل ويكسب بعض المال عبر إنتاجه المرئي، إنها منصة اليوتيوب.
لقد أدرك القائمون على تلك المنصة أو الشبكة الاجتماعية العملاقة أن نجاح وازدهار المنصة يعتمد على صُنّاع المحتوى، وكلما زاد ابداعهم وتميزهم في ما ينتجون كلما نجحت المنصة ووصلت صفحاتها إلى عدد أكبر من المشاهدين والزائرين، والمعادلة معروفة في العالم الرقمي (زوار أكثر = مكسب أكبر)، لذلك فهي تبذل الكثير من الجهود وتنفق الكثير من الأموال من أجل تشجيع صناع المحتوى بأن يستمروا في الإنتاج والنشر، بأن تستمر عجلة الإبداع، فما هي تلك الجهود يا ترى؟ هذا ما سنعرفه عبر السطور التالية.
1. مشاركة الأرباح
لعل المال هو أكبر مشجع لمزيد من العمل والإنجاز، ملايين البشر يعملون ليل نهار في الشركات والمؤسسات المختلفة، وما يحركهم بالفعل هو المال، ليس الجميع طبعاً، لكن هذا هو حال الغالبية العظمى من البشر، لذلك فشركة قوقل المالكة لليوتيوب قد قررت منذ سنوات طويلة بأن لا تحتكر الربح المالي لوحدها، بل تشارك المكسب مع صناع المحتوى، فقد أتيح برنامج الشراكة -في البداية- لأشخاص محددين ثم لدول محددة ثم هو اليوم متاح للمستخدمين من دول كثيرة بما فيها دول عربية، وكل ما يحتاجه المستخدم هو أن يصل إلى 10 ألف مشاهدة على فيديوهاته حتى يتسنى له الإنضمام لهذا البرنامج.
مقدار المكسب المالي لن يكون ذا قيمة إلا بعد أن تصل القناة إلى عدد كاف من المتاعبين (قد يكون عشرات أو مئات الآلاف) وإلى مشاهدت عالية حتى يكون محفزاً للمزيد من الإبداع والنشر، وحينها سيحاول صحاب القناة أن يكون متلزماً أكثر بالنشر في القناة بشكل دوري وسيخصص لها وقتاً في جدول أعماله، بل قد يستقيل من وظيفته بعد أن تصبح أرباحه أكبر من راتبه الشهري، وخاصة في بعض الدول العربية التي لا يزيد دخل الفرد فيها عن 200 أو 300 دولار في الشهر.
2. ساعة الحظ المفاجأة
منصة اليوتيوب تساعدك في نشر فيديوهاتك، لكن الفيديوهات المميزة فقط، لديهم نظام يستخدم عدة طرق آلية لاكتشاف أي الفيديوهات هي الأفضل من غيرها، فعبر نسبة النقر إلى المشاهدة (كم نسبة الأشخاص الذين فتحوا الفيديو من مجموع من عرض عليهم عنوانه) وعبر إحصائية استمرار المشاهدة (كم عدد المشاهدين الذين استمروا في مشاهدة الفيديو حتى آخره أو إلى أقصى فترة ممكنة) وغيرها من الإحصائيات التي تساعد النظام داخل يوتيوب لمعرفة أي الفيديوهات هي الأكثر تميزاً من غيرها.
تلك الخاصية تعمل ويمكن ملاحظتها لكن بعد أن تصل القناة إلى عدد كافٍ من المتابعين، فالقناة في أول حياتها تعاني من قلة المشاهدات ويجب على صانع المحتوى أن يحاول تسويق الفيديوهات بطريقته الخاصة، من الصعب أن تنتشر الفيديوهات من تلقاء نفسها، سوف يستمر الشخص بالنشر ومحاولة إنتاج فيويدهات مفيدة ومميزة حتى تأتي ساعة الحظ السعيدة.
ساعة الحظ هي عندما تنشر الفيديو الخاص بك ثم تذهب للنوم، وحين تصحوا في الصباح تجد أن الفيديو قد حقق عشرة آلاف مشاهدة -على سبيل المثال- رغم أن قناتك ليس فيها سوى 5 ألف مشترك، من أين أتى كل أولئك القوم وكيف وصلوا إلى الفيديو، وهنا تدرك أن الفيديو الخاص بك قد ظهر في الصفحة الرئيسية لمجموعة كبيرة من المستخدمين، الذين يقرر النظام أنهم قد يكونوا من المهتمين بهذا الفيديو، فيصبح ذلك الفيديو أحد الوسائل الرئيسية لانتشار قناتك واكتسابها عدد كبير من المشركين في زمن قصير.
3. هدايا تذكارية
كنوع من التشجيع، يرسل القائمون على منصة اليوتيوب دروع تذكارية تحتوي على زر التشغيل الذي يتخذ عدة ألوان، فهنالك 3 ألوان وأحجام تعبر عن عدد المشتركين في القناة (بالإضافة إلى نوع رابع تم إرساله لقناة واحدة فقط هي قناة PewDiePie بعد أن وصلت إلى 50 مليون مشترك)، وذلك على النحو التالية:
- زر التشغيل الفضي للقنوات التي وصلت إلى 100 ألف مشترك
- زر التشغيل الذهبي للقنوات التي وصلت إلى مليون مشترك
- زر التشغيل الماسي للقنوات التي وصلت إلى 10 مليون مشترك
طبعاً هي مجرد هدايا تذكارية، لكن لها تأثير كبير على نفسية صناع المحتوى بداخل الشبكة، فهي تشعرهم بأن جهدهم مُقَدر وأن هنالك من يسعد بإنجازهم ويحتفي بما وصلوا إليه، لذلك نجد الكثير من أصحاب القنوات يعلن وصول تلك الهدايا وينشر عنها فيديوهاته والفرحة بادية على محياه (لكن البعض يقرر أن يشقه نصفين ليرى ما بداخله). يمكن معرفة المزيد عن تلك الجوائز عبر الصفحة المخصصة.
4. مساحات العمل
مساحات العمل أو (Youtube Spaces) هي أماكن ومباني تابعة ليوتيوب ومنتشرة في 10 مدن في العالم، تم تجهيزها لتكون مساحات عمل وأماكن لعقد الورشات واللقاءات بين مبدعي اليوتيوب وأصحاب القنوات الكبيرة والمتوسطة، ففيها تقام الفعاليات الصغيرة وورش العمل، كما أنها مزودة باستديوهات معدة لتصوير الفيديوهات بشكل احترافي، وأيضاً إخراج وتحرير تلك الفيديوهات عبر الأجهزة التي توفرها لهم اليوتيوب والتي يمكن استخدامها بالمجان، الفيديو التالي يعرض مساحة عمل يوتيوب في لوس أنجلس في أميريكا:
بالطبع ليست تلك المساحات متواجدة في جميع الدول، يمكن الإطلاع على تلك المناطق والتعرف على الخدمات التي توفرها كل مساحة عبر صفحة خاصة، كما يمكن أيضاً متابعة جديد الفعاليات التي تقام في تلك الأماكن وإمكانية التسجيل فيها، فهي تعد فرصة جيدة للتعرف على مبدعي اليوتيوب الآخرين والاستفادة من خبرات الأقدمين.
يمكن الاستفادة من الاستديوهات لعمل بعض الفيديوهات التي قد تتطلب معدات خاصة، حيث يتاح لأصحاب القنوات ممن يمتلكون أكثر من 10 ألف مشترك أن يشتروكوا ويستفيدوا من الاستديوهات وأماكن التصوير وكذلك معدات المونتاج والإخراج وغيرها من المكونات، وكلما كان عدد المشتركين في القناة أكثر كلما زادت الصلاحيات المتاحة لهم.
5. مسابقة يوتيوب (NextUp)
كما هو واضح من إسم هذه المسابقة، الهدف منها هو رفع بعض صناع المحتوى المهوبين وإعطائهم دفعة إلى الأمام كي يحققوا مزيداً من الانتشار وكسب مشتركين أكثر، حيث تتم كل فترة مسابقة في بلد من البلدان (يتم معرفة المكان القادم عبر الصفحة الرئيسية للمسابقة)، مجال المشاركة مفتوح للجميع ممن يمتلكون قنوات نشطة عدد مشتركيها بين 10 و 100 ألف.
يشارك الفائزون في مخيم يمتد لخمسة أيام يتعلمون فيه الكثير من أسرار صناعة الفيديو والتعامل مع المعدات المتطورة في التصوير والإخراج وغيرها من الفوائد التي يحصلون عليها خلال المخيم، وأيضاً يحصل كل فائز على فسيمة لشراء معدات للتصوير والإنتاج بـ 2000 دولار وأيضاً نصائح واستشارات لتطوير القناة.
6. فعاليات يوتيوب
قد تصلك دعوة لحضور فعالية من الفعاليات التي تقيمها يوتيوب في عدة أماكن من العالم، ليس بالضرورة أن تكون من سكان ذلك البلد، فلقد تم دعوة أشخاص من عدة دول لا تحتوي على مساحات يوتيوب، فمثلاً في الفيديو التالي تم دعوة الأخ عزالدين عارف (يمني الجنسية) لحضور الفعالية التي أقيمت في لندن، تلك الفعاليات تعتبر فرصة لزيارة مساحات عمل يوتيوب وحضور ورشات عمل قد تفيدهم في تطوير قنواتهم.
أيضاً تقيم اليوتيوب فعاليات صغيرة في مدن كثيرة منها مدن عربية يحضرها صناع المحتوى المحليين ويلتقون مع بعضهم ويستفيدون من خبراتهم، وأيضاً مهرجانات كبيرة (Fan Fest) يحضرها الجميع ويلتقي فيها الجماهير مع من يتابعونهم في اليوتيوب كي يشاهدوا بعض عروضهم على أرض الواقع، مثل فعالية (فان فِست) التي أقيمت في مدينة جدة قبل عدة أشهر.
كانت تلك بعض أبرز الوسائل التي تستخدمها يوتيوب لتشجيع صناع المحتوى في شبكتها ليكونوا أغزر إنتاجاً وأكثر إبداعاً، هنالك أشياء أخرى يمكنك استكشافها بنفسك عبر صفحة (YouTube for Creators)، وكل تلك الجهود من أجل أن تستمر عجلة الإبداع، فالحركة المستمرة لتلك العجلة يعود بالفائدة لجميع الأطراف، أولهم شبكة اليوتيوب نفسها التي تكسب الكثير من خلال الإعلانات، وكذلك منشئي المحتوى الذين يوصلون رسالتهم ويحققون دخلاً مالياً جيداً عبر فيديوهاتهم، وأخيراً المجتمع الذي يستفيد من كل المحتوى المفيد الذي يتم إنتاجه بشكل مستمر.
التدوينة كيف تُشَجِع يوتيوب صُنّاع المحتوى في شبكتها كي تستمر عجلة إبداعهم ظهرت أولاً على عالم التقنية.
from مقالات – عالم التقنية http://ift.tt/2wo9yww
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء